فيصل مصلح ينبّه أهل السياسة: الذكاء الاصطناعي قادم
لا يتوقف الباحث الدكتور فيصل مصلح عن العمل والاجتهاد في مقاربة قضايا شائكة متعددة، وهو المثابر على سبر أغوار المعارف والعلوم كافة وربطها، ولو بخيطٍ رفيع، باستراتيجيات الدول والأمم والشعوب، وكتابه الجديد بعنوان “السياسة في ظل الذكاء الاصطناعي future of politics”، لن يخرج عن هذا السياق.
البحث الأول عربياً
يعتبر هذا الكتاب، بمضمونه ومقاربته، هو أول كتاب في العالم العربي يتناول هذا الموضوع، وربما يكون من أوائل الكتب عالمياً التي تتناول مستقبل السياسة على وقع تأثيرات الذكاء الاصطناعي politics in light of Artificial Intelligence (AI)
خاصةً ونحن اليوم على ابواب ثورة ضخمة في ملف الذكاء الاصطناعي، ويقال أن البشرية بعدها لن تكون كما قبلها، من حيث الآثار الانسانية والاخلاقية والاقتصادية والتربوية والبيئية والاجتماعية وغيرها.
فكيف سيقرأها د. فيصل مصلح من خلال زاوية المقاربة مع السياسة والتأثيرات المتعاكسة في هذه القضية الشائكة والمعقدة وغير المسبوقة في تاريخ البشرية.
في القسم الأول تناول فيه مواضيع اجتماعية مهمة عن نهاية العمل، ودور الذكاء الاصطناعي في الطب والسلاح والتعليم والطاقة، وتأثير التكنولوجيا على الفرد والأسرة والمجتمع، وذلك لفهم التغيّرات الإجتماعية التي ستدفع نحو التغيير في السياسة.
واذ يتحدث عن تاريخ التكنولوجيا والتعريف بالذكاء الاصطناعي وكيفية اخضاعه للمثل والاخلاقيات الانسانية العليا، ويقارب قضية “الاقطاعيون الجدد” وهم طبقة مستغلي الثورة العلمية والصناعية وكيف يحتكرون التقنيات ويتحكمون بالقرار السياسي والاقتصادي، ويقارب هنا الباحث فكرة “نهاية العمل” التقليدي وكيف نحن نتجه الى أنماط جديدة.
ويفصل الكاتب في كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات الطب والاقتصاد والعسكر وتقنيات الحروب وصولاً الى التنوع في مجال الذكاء الاصطناعي ودور علم الاجتماع في ظل شبكات التواصل الاجتماعي.
في القسم الثاني يتناول تأثير الذكاء الاصطناعي في بناء العلوم السياسية الحديثة (Computational political science)، كيف أن المعلومات والداتا هي الذهب الجديد لتحصين المجتمع، وما هو دور السياسة والسلطة في عالم الذكاء الاصطناعي؟ ماذا عن الحريات ونماذجها، كيف ستكون الديمقراطية في ظل هذل الجديد القادم علينا؟ وما مصير الديمقراطيات وتداعيات الاخبار الزائفة على البشرية والمجتمعات وغيرها؟ ويعرج في ختامه على مسألة الانتخابات وكيفية مقاربتها من قبل المرشحين والناخبين.
تقع أهمية الكتاب أنه يطرح تساؤلات عن مستقبل قريب بدأت ملامح وصوله الينا تطرق شاشات أجهزتنا وتزلزل كيانات مجتمعاتنا، وأهميته تطال كل متابعي الشؤون السياسية من أحزاب وسلطات وقادة وقانونيين ومهتمين ببناء الرأي العام والديمقراطية والانتخابات.
وهو أيضاً يحتوي على الأساليب والطرق والأدوات الحديثة التي يجب ان تعتمدها كل حملة انتخابية أو أي جهة سياسية تريد الاستمرار والبقاء على قيد حياة المشهد السياسي مستقبلاً في بلاد مثل لبنان او خارجه.
الذكاء اصطناعي وماذا عنا؟
الذكاء الاِصطناعي (AI) هو مجال سريع التطور وتطبيقاته واسعة ومتنوّعة، ولديها القدرة على إحداث ثورة في جميع المجالات، من السيارات ذاتية القيادة إلى العلاجات الطبية الشخصية الى سرعة وكمية استخدام الداتا على أنواعها.
يتمّ اِستخدام هذه التكنولوجيا في العديد من الصناعات والرعاية الصحية والتمويل وتجارة التجزئة، وهي حتماً ستلعب دوراً كبيراً ومحورياً في المستقبل.
ومن خلال هذا البحث تحضر الاسئلة الكبيرة عن دور مجتمعاتنا العربية في مثل هذه القضايا واين هي تقع؟ هل يمكن لنا اللحاق بركب هذا التطور ام نحن من فئة متلقين فتات التكنولوجيا فقط؟.
إذ يقدم الذكاء الاصطناعي حلولًا للزراعة والصحة والتعليم، ويحقق مكاسب للاقتصاد العالمي،
لكن أين الدول النامية منه وإقبالها عليه ما زال بطيئاً ما يعني أن منافعه لبلدان الجنوب ما زالت “متواضعة” وأصلاً يمثل الاتصال بالإنترنت تحديًا كبيراً، إذ يفتقر إليه نصف سكان العالم، ما العمل؟
هنا فيصل مصلح يثير فينا السؤال والتفتيش، وهو باحث يتمتع بحيوية الناشط السياسي او المناضل في قضايا يحبها ويطمح لتحقيقها، فلا يترك فرصة الا ويضع لمساته فيها، هو ينطلق بدافع وشغف الولهان لترجمة افكاره وتأطيرها في قوالب بحثية جميلة، بلغة سلسة ومصطلحات علمية، وكتابه هذا يطال كل فئات المجتمع وطبقاته.
كتاب مهم في التوقيت والمضمون، وكما عادة الصديق الدكتور فيصل مصلح، أنه يقارب القضايا الشائكة بسلاسة ويبحث بكل جديد بهدوء عله يفتح آفاقاً كانت مغلقة….
بكل الأحوال لك أكثر من أجر المحاولة.